فصل: ذِكْرُ إِبَاحَةِ إِيثَاقِ الْأُسَارَى إِلَى أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِيهِمْ رَأْيَهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ إِبَاحَةِ إِيثَاقِ الْأُسَارَى إِلَى أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِيهِمْ رَأْيَهُ:

6617- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّجَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ مِنْ بَدْرٍ: عَلَيْكَ الْعِيرُ لَيْسَ دُونَهَا شَيْءٌ، قَالَ: فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ، لَا يَصْلُحُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِمَ؟» قَالَ: لِأَنَّ اللهَ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَقَدْ أَعْطَاكَ مَا وَعَدَكَ.
6618- أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: أَمَّنَ أَصْحَابُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَأَوْثَقُوهُ، وَطَرَحُوهُ فِي الْحَرَّةِ، فَمَرَّ بِهِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مَعَهَ، أَوْ قَالَ: أَتَى عَلَيْهِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ، وَتَحْتَهُ قَطِيفَةٌ، فَنَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قَالَ: فِيمَا أُخِذْتُ؟، وَفِيمَا أُخِذَتْ سَابِقَةُ الْحَاجِّ؟ فَقَالَ: «أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ»، وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَكَهُ وَمَضَى، فَنَادَاهُ، يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَرَحِمَهُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، قَالَ: «لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ»، فَتَرَكَهُ وَمَضَى، فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَإِنِّي عَطْشَانُ فَاسْقِنِي، قَالَ: «هَذِهِ حَاجَتُكَ»، قَالَ: فَنَادَاهُ، يَا رَسُول اللهِ، بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ، وَأَخَذَ نَاقَتَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ تَكَلَّمَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ: إِنِّي مُسْلِمٌ، قَالَ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ نَفْسَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ، قَالَ قَائِلٌ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إِنِّي مُسْلِمٌ لِلْخَوْفِ، يُرِيدُ مُسْتَسْلِمًا لَا مُسْلِمًا لِلَّهِ فَقَالَ: لَوْ قُلْتَهَا لَا عَلَى الْخَوْفِ الَّذِي اضْطَرَّكَ إِلَى مَا قُلْتَ، أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ، فَهَذَا صِدْقٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ إِذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ، كَانَ إِسْلَامُهُ اخْتِيَارَ اللهِ وَرَغْبَةً فِي تَوْحِيدِ اللهِ، فَأَعْلَمَهُ لَوْ سَبَقَ هَذَا الْقَوْلُ الْإِكْرَاهَ كَانَ إِيمَانًا، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ سَابِقًا حَتَّى كَانَ الْإِكْرَاهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ، بَلْ كَانَ عَلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ بِذَلِكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَلِكَ الَّذِي طَلَبْتَ»، فَأَبَانَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي ضَمِيرِهِ، لَمَّا أَعْلَمَهُ اللهُ وَكَذَلِكَ يَكُونُ اللهُ أَعْلَمَهُ أَنَّ إِسْلَامَهُ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ، فَكَانَ عَلَى كُفْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِذَلِكَ فَدَى بِهِ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ أَلَّا يُفْدِيَ مُسْلِمًا بِمُسْلِمٍ، وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يُمَكِّنْ مِنْهُ الْكُفَّارَ. وَقَالَ آخَرُ: فِي قَوْلِهِ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ لَوْ قُلْتَ: إِنِّي مُسْلِمٌ قَبْلَ أَنْ تُؤْسَرَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ أَيْ دُنْيَا وَآخِرَةً، فَلَمْ تُؤْسَرْ فِي الدُّنْيَا فَتُوثَقْ، وَلَمْ تُعَذَّبْ فِي الْآخِرَةِ إِذَا أَسْلَمْتَ طَوْعًا لَا كَرْهًا، وَأَمَّا إِذَا قُلْتَ: إِنِّي مُسْلِمٌ بَعْدَ الْأَمْرِ فَلَمْ تُفْلِحْ كُلَّ الْفَلَاحِ أَيْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُخْرِجُكَ مِنَ الرِّقِّ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ إِذْ أُسِرْتَ وَأَنْتَ كَافِرٌ لَا مُسْلِمٌ، إِذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْأَسِيرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْإِسَارِ، لَا يَصِيرُ حُرًّا بِإِسْلَامِهِ، إِلَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِلْكٌ، فَأَمَّا فِدَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُقَيْلِيَّ بِالرَّجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَا فِي يَدَيِ ثَقِيفٍ أَسِيرَيْنِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَطْلَقَهُ مِنَ الْأَسْرِ؛ لِتُطْلِقَ ثَقِيفٌ عَنِ الْأَسِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَهُ فِي أَيْدِيهِمْ، فَيَرْجِعَ الثَّقَفِيُّ إِلَيْهِمْ حُرًّا مُسْلِمًا مُطْلَقًا مِنَ الْأَسْرِ وَالْوَثَاقِ، خَارِجًا مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، لَا أَنَّ ثَقِيفًا يَمْلِكُونَهُ مِلْكَ رِقٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُرَدَّ مُسْلِمٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَيُسْتَعْبَدُوا فِي دَارِ الشِّرْكِ، وَلَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعُقَيْلِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ: إِنِّي مُسْلِمٌ حُكْمَ الْمُشْرِكِينَ، إِذْ كَانَ أَحْكَامُ الدُّنْيَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ حُكْمُ الظَّاهِرِ لَا حُكْمَ الْبَاطِنِ الْمُغَيَّبِ الَّذِي يَتَوَلَّى الله عِلْمَهُ، فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ عِبَادَهُ، أَلَا تَسْمَعُ خَبَرَ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْكِنْدِيِّ، وَاسْتِئْذَانِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الرَّاجِلِ، بَعْدَ قَوْلِهِ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، وَتَعْلِيقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلَهُ: لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلِتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: فِي قَوْلِهِ: أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مُشْرِكٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمَالِ بِشِرْكِهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ مُبَاحٌ، فَلَمَّا كَانَ هَكَذَا، لَمْ يُنْكِرْ أَنْ يَقُولَ: أُخِذْتَ أَيْ: حُبِسَتْ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٍ، وَلَمَّا كَانَ حَبْسُهُ هَذَا حَلَالًا بِغَيْرِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ، وَإِرْسَالُهُ مُبَاحًا، جَازَ أَنْ يُحْبَسَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ، لَاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ قَوْلَهُ أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مُوَادَعَةٌ أَوْ صُلْحٌ، فَنَقَضَتْ ثَقِيفٌ الْمُوَادَعَةَ أَوِ الصُّلْحَ بِأَسْرِهِمُ الرَّجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَ الْعُقَيْلِيّ بِنَقْضِ ثَقِيفٍ الْمُوَادَعَةَ أَوِ الصُّلْحَ، وَتَرَكَ بَنُو عَقِيلٍ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ وَمَنَعَهُمْ مِنْ فِعْلِهِمُ الَّذِي كَانَ نَقَضَ الصُّلْحَ أَوِ الْمُوَادَعَةَ.

.ذِكْرُ السُّنَنِ فِي الْأُسَارَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ:

جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَنَّ فِي الْأُسَارَى سُنَنًا ثَلَاثًا، الْمَنَّ، وَالْفِدَاءَ، وَالْقَتْلَ، فَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمَنِّ مِنْ سُنَّتِهِ وَقَوْلِهِ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا وَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ، وَدَلَّ إِطْلَاقُهُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ بِأَهْلِ مَكَّةَ أَمَّنَهُمْ، فَقَالَ: مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنً، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٍ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنَّ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ فَلَمْ يَقْتُلْهُمْ، افْتَتَحَهَا عَنْوَةً وَقَسَّمَ أَرَاضِيهَا، وَمَنَّ عَلَى رِجَالِهِمْ وَتَرَكَهُمْ عُمَّالًا فِي الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ مُعَامَلَةً عَلَى الشَّطْرِ؛ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ إِلَيْهِمْ، حَتَّى أَخْرَجَهُمْ عُمَرُ حِينَ اسْتَغْنَى عَنْهُمْ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْدِيَ بِأُسَارَى الْمُشْرِكِينَ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ خَبَرُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.
6619- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا سُنَّتُهُ فِي قَتْلِ الْأُسَارَى فَقَتْلُهُ فَرِيضَةَ لَمَّا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَأَمْرُهُ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ يَوْمَ دَخَلَ مَكَّةَ.
6620- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ».
6621- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَادَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُسَارَى بَدْرٍ، وَكَانَ فِدَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَقَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ قَبْلَ الْفِدَاءِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي كُلَابٍ، فَقَتَلَهُ صَبْرًا، فَقَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ؟، قَالَ رَسُول اللهِ: «النَّارُ».

.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْأُسَارَى، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَقَتَلَ بَعْضَهُمْ، وَفَادَى بَعْضَهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إِلَّا عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ تَقْوِيَةِ دِينِ اللهِ وَتَوْهِينِ عَدُوِّهِ وَغَيْظِهِمْ، وَقَتْلِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ مُبَاحٍ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ: ذَلِكَ إِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْأَسِيرِ: يَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ يَقُولَانِ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ إِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ: إِنْ شَاءَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ فَلَا بَأْسَ، فَإِنْ شَاءَ ضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ وَيُصَيِّرَهُمْ فَيْئًا يُقْسَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ قَتْلُهُمْ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنْكَى لِلْعَدُوِّ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ رَأَى قَتْلَهُمْ فَلَا يَقْتُلْ شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا مُقْعَدًا وَلَا أَعْمَى وَلَا مُصَابًا وَلَا زَمِنًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَيَكُونُونَ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا أَوْ يَقْسَمُونَ مَعَ الْقِسْمَةِ.
6622- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، قَالَ: ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللهُ بَعْدَ هَذَا فِي الْأُسَارَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] الْآيَةَ، فَجَعَلَ اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَعْبَدُوهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا فَادَوْا بِهِمْ، ثُمَّ أَبُو عُبَيْدٍ بَعْدُ فِي: اسْتَعْبَدُوهُمْ.

.ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ مَالَ إِلَى الْقَتْلِ وَرَأَى أَنَّهُ أَعْلَى مِنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ:

رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي أَسِيرٍ: يُعْطَى بِهِ كَذَا وَكَذَا: اقْتُلُوهُ، قَتْلُ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعِيَاضُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ يَقْتُلَانِ الْأُسَارَى، وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي أَسِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا يُقْتَلُ فِي الْأُسَارَى، وَالْآخَرُ يُفَادَى: يُفَادَى الَّذِي يُقْتَلُ أَفْضَلُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْأُسَارَى: أَمْثَلُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقْتَلَ كُلُّ مَنْ خِيفَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: الْإِثْخَانُ أَحَبُّ إِلَيَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا يَطْمَعُ بِهِ الْكَثِيرُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَعَلَّ مَنْ يَمِيلُ إِلَى الْقَتْلِ قَوْلُهُ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: 67] الْآيَةَ.
6623- حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا سليمان بن داؤد الزهراني، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، قال أخبرني أبي وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: اختلف الناس في أسارى بدر، فاستشار رَسُول اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا بكر وعمر، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَادِهِمْ، وَقَالَ عُمَرُ: اقْتُلْهُمْ، قَالَ قَائِلٌ: أَرَادُوا قَتْلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَدْمَ الْإِسْلَامِ، وَيَأْمُرُهُ أَبُو بَكْرٍ بِالْفِدَاءِ، وَقَالَ قَائِلٌ: لَوْ كَانَ فِيهِمْ أَبُو عُمَرَ، أَوْ أَخُوهُ مَا أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَأَخَذَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، فَفَادَاهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَادَ لَيُصِيبُنَا فِي خِلَافِ ابْنِ الْخَطَّابِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، وَلَوْ نَزَلَ الْعَذَابُ مَا أَفْلَتَ إِلَّا عُمَرُ».
6624- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ جِيءَ بِالْأَسَارَى، وَمِنْهُمُ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُول اللهِ، قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ، اسْتَبْقِهِمْ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُول اللهِ، كَذَّبُوكَ، وَأَخْرَجُوكَ، وَقَاتَلُوكَ، قَدِّمْهُمْ، فَأَضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُول اللهِ، انْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ فَاضْرِبْهُ عَلَيْهِمْ نَارًا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ وَهُوَ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ: قَطَعَتْكَ رَحِمُكَ، قَالَ: فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَخَرَجَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ، حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللَّبَنِ، وَإِنَّ اللهَ لَيُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ، حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، مَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَمَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ عِيسَى إِذْ قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] الْآيَةَ، وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ إِذْ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] الْآيَةَ، وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ مُوسَى إِذْ قَالَ: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوَا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88] الْآيَةَ، أَنْتُمْ عَالَةٌ فَلَا يَنْفَلِتَنَّ أَحَدٌ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ». فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِلَّا سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ، فَسَكَتَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُنِي أَخْوَفَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنِّي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، حَتَّى قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ»، فَأَنْزَلَ اللهُ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، فَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: الْإِثْخَانُ الْقَتْلُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي: حَتَّى يُثْخِنَ عَدُوَّهُمْ حَتَّى يَنْفِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَجَازُهُ حَتَّى يَغْلِبَ وَيُبَالِغَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، أَيْ تَقْتُلُهُمْ لِظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي يُرِيدُونَ إِطْفَاءَهُ الَّذِي بِهِ نُدْرِكُ الْآخِرَةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَتْلُ الْأَسِيرِ خَيْرٌ مِنْ إِمْسَاكِهِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، ثُمَّ نَزَلَتِ الرُّخْصَةُ بَعْدُ، إِنْ شِئْتَ فَمُنَّ، وَإِنْ شِئْتَ فَفَادِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَوَائِلِ: إِنَّ قَوْلَهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] الْآيَةَ، نَزَلَ بَعْدَ قَوْلِهِ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] الْآيَةَ، رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالسُّدِّيِّ.
6625- حَدَّثَنَا عَلَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57] الْآيَةَ، يَعْنِي نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] قَدْ نَسَخَتْهَا قَوْلُهُ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57] الْآيَةَ.
6626- حَدَّثَنَا عَلِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ قِيلَ لَهُمُ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُول اللهِ، فَقَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ»، فَبَعَثَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْكُمْ فِيهِمْ»، فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ».
6627- حَدَّثَنَا عَلِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ حَبِيبٍ أَبِي يَحْيَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَتْ عَيْنُهُ أُصِيبَتْ بِالسُّوسِ، فَقَالَ: حَاصَرْنَا مَدِينَتَهَا فَلَقِيَنَا جَهْدًا، وَأَمِيرُ الْجَيْشِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَصَالَحَهُ دِهْقَانٌ عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ الْمَدِينَةَ، وَيُؤَمِّنَ مِائَةً مِنْ أَهْلِهِ، فَفَعَلَ، فَأَخَذَ عَهْدَ أَبِي مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: اعْزِلْهُمْ، فَجَعَلَ يَعْزِلُهُمْ، وَجَعَلَ أَبُو مُوسَى يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَخْدَعَهُ اللهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَعَزَلَ الْمِائَةَ، وَبَقِيَ عَدُوُّ اللهِ، فَأَمَرَ بِهِ أَبُو مُوسَى، قَالَ: فَنَادَى، وَبَذَلَ مَالًا كَثِيرًا، فَأَبَى عَلَيْهِ، وَضَرَبَ عُنُقَهُ.